في يوم البريد العراقي 22 نيسان ساعي البريد مهدد بدخول المتحف بسبب الـ Email

بغداد/ المسلة:
يدور ساعي البريد امام الصناديق، في دائرة بريد شارع حيفا، وهو يبحث عن رسائل كي يوصلها الى اصحابها المرسلة لهم.. لكنه يعود بطرد بريدي واحد، ويقول بنبرة متحسرة "لا يصلنا اليوم سوى ما نسبته 1 الى 2% مقارنة بالسابق.. وكنت احب عبارة "شكرا لساعي البريد" التي كانت تكتب على ظروف الرسائل.
ويحتفل العالم في التاسع من تشرين الأول، بالذكرى السنوية لتأسيس الاتحاد البريدي العالمي في العام 1874 في العاصمة السويسرية، اما يوم البريد العراقي فيصادف الـ22 من نيسان.

يقول ساعي البريد ابو عامر، كما فضّل ان نسمّيه والذي يعمل في دائرة بريد حيفا منذ العام 1991، لـ"المسلة"، إن "ظهور الهاتف الجوال والانترنيت قد جعل من مهنة ساعي البريد اشبه بالفلكور"، ويضيف ضاحكا وهو يشير الى صناديق البريد "يمكن ان يأتي يوم ندخل المتحف".

وقبل ان يدخل ساعي البريد المتحف فانه شكل واحدا من معالم الحياة الاجتماعية، حتى في الاغاني والاشعار والقصائد عربيا وعراقيا، فاغنية فيروز مازالت تتردد "يامرسال المراسيل"، ومثلها "كتبنا وما كتبنا". ويحفل الغناء العراقي بالمراسيل والمكاتيب التي يبعثها العشاق ولا يجدون جوابا، او ينتظرون مكتوبا، مثل اغنية حضيري ابو عزيز "مكتوب مكتوبين اوديلك"، واغنية "عيوننا تربي ياغالي.. وتنتظر ساعي البريد" لرضا الخياط، و"مراسيل اني وديت" لرياض كريم وغيرها.

من جهته يستذكر نورس بغداد الازرق كما اشيع عنه او فائق محمود حميد موزع البريد في مديرية دائرة البريد والتوفير في بغداد الكرخ رحلة الرسائل التي يوزعها، قرابة ثلاثين سنة قضاها مع هذه المهنة متنقلاً من السير على الإقدام الى الدراجة الهوائية ومن ثم الدراجة النارية بزيّه الأزرق الذي يطوف به مناطق بغداد لإيصال الرسالة، وكيف اسهم ولو بالقليل في إثلاج قلوب من سلمهم تلك الرسائل، كما انه تعرّف من خلال المهنة على العديد من الشخصيات والشرائح الاجتماعية.

ويروي حميد لـ"المسلة"، عن امرأة من أهالي السفينة في منطقة الاعظمية كان يجلب لها رسائل من وقت لآخر من زوجها وأولادها الذين غادروا العراق الى دولة أوربية، وحين لا يمر عليها لعدم وصول رسائل، تأتي أختها لمكتب سُعات البريد، وترجو منه زيارة اختها حتى لو لم تكن هنالك رسالة جديدة، لان هذه الأم تصاب بحالة مرضية، وتجعلها رؤية ساعي البربد في حال أحسن.

ويتابع قائلا "عندما تصل رسائل لها اترك كل شيء، واذهب مسرعاً لأسلمها الرسائل، وعندما تراني لا تكاد الأرض تحملها، وأنا أشاهد يديها وهي ترتجف من السعادة عندما أعطيها الرسائل، وكنت احس بالسعادة لأني رسمت الفرحة على وجه تلك الأم والكثير من الناس".

اما الدكتورة صبا الحسين فتنظر لرسائل البريد من زاوية اخرى "من خلال اللغة المشتركة بين كاتب الرسالة وقارئها"، لافتة الى أن "خط اليد بما فيه من ملامح يخلق حالة روحية بين كاتبها وقارئها، فتشد الجانبين بعلاقة مليئة بالحنين".

لكن صبا لا تنسى أن "تطور وسائل الاتصال انهى عذابات الانتظار ايام زمان، رغم حلاوة ذلك الانتظار"، مبينة في الوقت نفسه أن "وصول الظرف وبداخله الرسالة وعليه ختم البريد وايام طويلة تمر قبل وصوله كلها طقوس محببة لكنها بدائية".


وكان المغتربون العراقيون يتواصلون مع ذويهم على فترات متباعدة في ظل النظام السابق خشية من تعرضهم للاذى، على يد الاجهزة الامنية، كما ان الرسائل كانت تتعرض للمراقبة اضافة للاتصالات الهاتفية، كما كان يُشاع في ذلك العهد.

من جانبها تشير مديرة التخطيط والمتابعة في مديرية بريد الكرخ هناء جِلوب الى ان سبب ضعف لجوء المواطن لدائرة البريد الى "انتشار مكاتب الحوالات الأهلية المرتبطة بالشركات العالمية للحوالات والتي تمتلك أسطولاً خاصا للطائرات، اضافةً الى عدم وجود خدمة الانترنت السريعة التي يحتاجها المواطن في نقل الطرود والرسائل والحوالات".

 وتستدرك جلوب أن هذه المكاتب "لا تشكل نسبة خدماتها اكثر من 20% من عموم خدمات البريدية التي تقدمها دائرتنا، حيث شهدت نسبة ارتفاع متزايدة في الإيرادات البريدية بلغت أكثر من اربعة مليارات دينار عراقي للعام 2011 بينما بلغت خدمات أرباح التوفير لهذا العام اكثر من مليار دينار عراقي".

وتضيف أن "المكاتب والشركات الأهلية التي تعمل في العراق مخالفة لضوابط وقوانين الاتصال العراقية، حيث تقوم بنقل البريد بدون إجازة او رخصة، وتوجد إجراءات قانونية وقضائية بحقهم"، مشيرة الى أن "من النشاطات المهمة في عمل دائرة البريد التي تقدمها للمواطن خدمة التوفير وسحب وإيداع المبالغ المالية من خلال فتح حساب توفير في الدائرة وخدمة توزيع رواتب الأسرة وشبكة الحماية الاجتماعية".

بدوره، قال مدير دائرة البريد والتوفير صفاء الدين بدر لـ"المسلة"، إن مديريته التي تأسست منذ نهايات النصف الاول القرن الماضي "ما زالت تقدم خدمة الطرود والحوالات والتوفير المالي وغيرها من الخدمات"، مبيناً أن "المديرية وعن طريق وزارة الاتصالات تعاقدت مع خطوط الطيران الإماراتي لنقل البريد العراقي إلى جميع أنحاء العالم، بدلا عن خطوط الطيران الأردني التي كانت متعاقدة معها سابقاً".

ويبيّن أن "خطوط الطيران الإماراتية تمتلك رحلات يومية مباشرة إلى أنحاء العالم، وهو ما يحسن خدمة البريد السريع ويكسب ثقة المواطن"، عازياً سبب لجوء العراق الى التعاقد مع شركات الطيران الأجنبي الى "عدم امتلاك العراق أسطول طيران مدنيا بالإضافة الى العقوبات المفروضة على الخطوط الجوية العراقية".

اما معاون مدير الدائرة ظافر محمد كاظم فيؤكد لـ"المسلة"، إن "المديرية تعاقدت مع شركات الهاتف النقال لغرض تسويق منتجاتها وبيعها للمواطن من خلال مكاتب البريد بأسعار تختلف عما موجود في السوق، وهو امر يحقق إيرادا اضافيا للدائرة"، مبيناً أن الاخيرة تعمل على "تجهيز مطبعة جديدة ملونة ضمن الخطة الاستثمارية للعام الحالي2012 لطباعة الطوابع والملصقات وغيرها، إضافةً الى تغطية احتياجات دوائر ووزارات الدولة الأخرى، مثل طباعة المناهج الدراسية مما يمثل إيرادا إضافيا للدائرة".

يذكر أنه بتاريخ 22 نيسان من عام 1929 أنضم العراق إلى الاتحاد البريدي العالمي كبلد مستقل، وتمت المصادقة على ذلك بالقانون رقم 6 لسنة1929 واعتماد وثائق هذا الاتحاد باسم الحكومة العراقية، بعد أن كان إقليماً تحت الولاية والوصاية البريطانية.

وحضر العراق مؤتمر الاتحاد البريدي العاشر في القاهرة عام 1934، والعراق كذلك احد الدول المؤسسة لاتحاد البريدي العربي، وقد صدر أول قانون بريدي عراقي في العام 1930، وفي العام 1934 صدر أول دليل بريد عراقي تضمن تعليمات وزارة المواصلات والإشغال الصادرة عن القانون رقم 6 السالف الذكر والالتزام بنصوص اتفاقية اتحاد البريدي العالمي لمؤتمر العام 1934، ويعد العراق من أوائل الدول التي نقلت بريدها جواً.

إرسال تعليق

أحدث أقدم